فنان ورسّام ایرانی للوفاق:
أجمل الصور والمفاهیم تکمن فی الأجواء والصفات الإلهیه
قدیریان:أنظر إلى ما یحدث حولی من المنظور التوحیدی،وأقارنه مع المفاهیم القرآنیه،والصفه الممیزه للوحاتی،حضور الغیب فی عالم الماده،وهذا الغیب یمکن أن یکون نورالله أو أهل البیت(ع).
۲۰۲۴-۱۲-۰۸
موناسادات خواسته
الفن بمختلف أنواعه من أهم الأدوات التی تتحدث عما یرید الفنان الحدیث عنه، أو الأحداث التی تجری فی العالم، وفی هذا المجال، للرسّامین دور خاص فی تصویر الحقائق ورسم اللوحات الفنیه، ومنهم الرسّام الإیرانی المخضرم الأستاذ “عبدالحمید قدیریان” الذی یُعتبر کأحد رموز “فن الثوره الإسلامیه” وتم إختیاره کأفضل شخصیه للفن الثوری قبل ثلاث سنوات، حصل على العدید من الجوائز من مختلف المهرجانات، ولدیه مجموعه لوحات فنیه وبحثیه، منها مجموعه “سماء الحسین”، و”نورالهدى، نورالحسین(ع) فحسب” وغیرها، کما أنه قام برسم لوحات فنیه بموضوع الدین وکذلک قاده المقاومه، منها رسم لوحه عن الشهید “سید حسن نصرالله”، التی یتم عرضها فی معرض “طائر فینیق القدس” الذی یقام حالیاً فی طهران، فبهذه المناسبه أجرینا حواراً معه حول الفن ولوحاته الفنیه، فیما یلی نصه:
أجمل الصور والمفاهیم فی الأجواء الإلهیه
بدایه تحدث الأستاذ عبدالحمید قدیریان عن الدافع الذی یدفعه نحو رسم اللوحات الفنیه بموضوع الدین والمقاومه، ومدى تأثیرها، قائلاً: کل فنان، مهما کان فنه، وخاصه الرسّام، یحاول أن یرسم أجمل الصور، عندما بدأت العمل المهنی بحثت عن الجمال کثیراً فرأیت أن أجمل الصور والمفاهیم تکمن فی الأجواء والصفات الإلهیه، وحاولت قدر المستطاع الدخول إلى هذا الفضاء بنفسی، وأقوم بتصویر الصور التی أراها مناسبه، وبما أننی من الذین بدأوا العمل الفنی قبل الثوره، فبعد الثوره الإسلامیه والتعرّف على فکر الإمام الخمینی (قدس)، رأیت بمدرسته فُتِح بالفعل آنذاک، أمام نحن الشباب فضاء واسعاً وجمیلاً ورائعاً، أبهر الجمیع.
قام الإمام الخمینی (قدس) بتبیین المقصد الحقیقی لنا، والذی هو ظهور الإمام الحجه (عج)، وقام برفد معرفتنا بأهل البیت(ع) وتفکیرهم، والتمتع باتباعهم، لقد أبهرنا الامام الراحل(قدس) جمیعاً وأنا کفنان حاولت الدخول فی تلک المفاهیم ورسم الصور التی تتبادر إلى ذهنی قدر الإمکان وإلى حد فهمی.
إختیار الموضوع للرسم
عندما سألنا الأستاذ حول کیفیه اختیار الموضوع للرسم، رد علینا بالجواب: یعتمد الفنانون على مکان وجودهم، أی على ارتفاعهم روحیاً، فکل فنان یلفت الإنتباه إلى المفاهیم المحیطه به فیما یتعلق بارتفاعه الوجودی فی حیاته، وأنا أعتقد أن الإمام الخمینی (قدس) على حق وأن ثورتنا هی ثوره إلهیه، ومن هذا المنطلق أحاول أن أنظر إلى کل المفاهیم التی أعمل بها تقریباً من هذا المنطلق، بعباره أخری؛ أحاول أن أنظر إلى کل ما یحدث حولی من الأحداث، مهما کان الحدث وفی أی مستوی، أشاهده من المنظور الإلهی، أی لماذا یسمح الله بحدوث ذلک؟
على سبیل المثال، لماذا یفتح الله الطریق للأشرار لإرتکاب الجرائم، أو لماذا سکان غزه صامدون ومقاومون إلی هذا الحد أمام هذه الجرائم الفظیعه؟ ومن أین تأتی کل هذه القوه والإیمان؟
أی أننی أحاول أن أنظر إلى ما یحدث حولی و أتعامل معه من المنظور التوحیدی، وأن أقارنه مع المفاهیم القرآنیه، بما أننا نعتقد أن القرآن هو فی الأساس أعظم رصید للإنسان فإذا أدرکت البشریه قیمه القرآن سیتم الحد من العدید من مشاکلها وقضایاها و للأسف، فی مجتمعنا وفی المجتمع العالمی، نحن نولی القلیل من الإهتمام للقرآن الکریم، لا أقصد من جانب قراءه القرآن، بل أقصد الذهاب إلیه وفهمه وفهم بنیه کلمات القرآن و المواءمه مع القرآن الحی.
إذا استطاعت البشریه، وخاصه المسلمین، التواصل مع هذا الکتاب الکریم، فإن العدید من المشاکل التی یواجهونها الآن سوف تختفی من الوجود، کل مشاکلنا هی لأننا أهملنا القرآن، ونحاول أن نحل مشاکلنا بأنفسنا وبعقلنا وذهنیتنا، ولا نؤمن أن الله حی، وأن القرآن حی، ولا نؤمن أن حلول مشاکلنا بأجمعها ومفاتیحها مذکوره فی القرآن و یکفینا أن نسأل القرآن ونراجعه فی المشاکل ونستفید منه.
السمه الممیزه فی اللوحات
أما حول السمه الممیزه فی لوحاته یقول الأستاذ قدیریان: إذا أردت أن أذکر صفه ممیزه للوحاتی، فهی حضور الغیب فی عالم الماده، وهذا الغیب یمکن أن یکون نور الله أو یمکن أن یکون أهل البیت(ع) أنفسهم، أو الصفات الإلهیه، ولکن فی کل لوحاتی تقریباً یوجد أثر من السماء وعالم الغیب، سواء فی إطار الألوان أو فی إطار الأشکال.
على سبیل المثال، فی مجموعه “آسمان حسین” أی “سماء الحسین” التی تضم ۲۳ لوحه بموضوع عاشوراء من وجهه نظر السیده زینب(س)، التی تقول: “ما رأیت إلا جمیلاً”، هذه اللوحات ملیئه بالجمال أی أنه عندما تنظر إلى هذه اللوحات الـ ۲۳ فالشعور الذی ینتقل إلیک هو الشعور بالأمل، ولن ترى ولو قطره دم أو فظاعه عاشوراء فی هذه اللوحات.
حاولت أن أنظر إلى الأحداث من وجهه نظر و المنطلق الفکری لأهل البیت(ع)، لأن الأحداث تجری بأمر الله، فعند أهل البیت(ع) الحدث فی حد ذاته لیس مهماً، بل المهم هو وقوع الحدث فی إطار المشاریع الإلهیه و البرنامج الذی رسمه الله للعالم، ولذلک؛ فإن السیده زینب(س) على الرغم من استشهاد شقیقها بتلک الطریقه القاسیه إلا أنها تمدح ما أراده الرب وتقول إنه کان بحسب الخطه والإراده الإلهیه، کان من المفروض أن یحدث هذا، و قد حدث بأجمل صوره، وما زلنا نستفید من ذلک الحدث بعد قرون، کلما نزلت من أعیننا قطره دمع من أجل أبی عبد الله(ع)، أخذ الله بیدنا، وأخرجنا من عالم الدنیا، ویتدفق إلینا عفوه، وهذا عزیز وعظیم عند السیده زینب(س)، ولهذا تقول: “ما رأیت إلا جمیلاً”.
لوحه “أنصار الله”
الأستاذ قدیریان یتابع کلامه بالحدیث عن لوحه “أنصار الله” ویقول: لوحه “أنصار الله” هی لوحه أیدیولوجیه للغایه، وهی معرفیه للغایه، فی لوحه أنصار الله، وهی تقریباً اللوحه الأخیره التی رسمتها، وفی الأساس ملخّص لمجموعه اللوحات التی رسمتها حتى الآن فیما یتعلق بالمفاهیم الإلهیه وموضوع المقاومه والحرب مع الکیان الصهیونی. فی هذه اللوحه أقول: إن واجبنا جمیعاً نحن الشیعه أن ننمو فی نعمه وفضل الله، وأن نصعد إلى منتهى القمه حتى نصل إلى نور الله و نستفید منه و بقدر ما نستفید من ذلک النور فلنعمل بالبر فی العالم، ونبنی العالم بمسانده نور الله، هذه الثقافه هی الثقافه الأساسیه لأهل البیت(ع) و للأسف کبارنا إما لا یتحدثون عن هذه القضیه أو یتحدثون عنها بشکل أقل و فی حدیث معرفه النور یقول المولى علی(ع): “یجب على کل شیعی أن یعرفنا بنورنا”.
أی أن هذا من الواجبات التی أهملناها خلال هذه القرون، هذه اللوحه تذکرنا بأنه یجب علینا نحن الشیعه أن نسیر على هذا المسار لأننا نقترب من الحرب مع الکیان الصهیونی و نقترب من تحقیق الوعد الإلهی، الوعد الذی قاله الله فی القرآن، یجب أن نصبح أنصار الله، یعنی إصلاح المجتمع بنور الله، والدخول إلى المیدان و لهذا السبب عندما کنت أرسم هذه اللوحه، کنت أبحث عن مثال یمکننی من خلاله إظهار هذا المثال فی الصوره، ومهما نظرت، ما وجدت غیر قائد الثوره، شخص استفاد من نور الله و النصره الإلهیه فی هذا الطریق و لهذا رسمت صورته إلا أننی فی البدایه ما قصدت رسمه.
فی هذه اللوحه، کنت أخاطب الشیعه کافه، بأن علینا جمیعاً أن ننمو فی نعمه الله و أن نصل إلى الشمس التی خلف السحاب لنستفید منها و مما حصلنا علیها من هذا النور دعونا نسیر فی اتجاه إصلاح المجتمع.
لوحه الشهید “سید حسن نصرالله”
بعد ذلک تحدث الأستاذ حول رسم لوحه الشهید “سید حسن نصرالله”، حیث قال: لوحه الشهید السید حسن نصرالله هی لوحه رسمتها لقلبی، لأننی بعد استشهاده انفطر قلبی کثیراً و شعرت أننی فقدت صدیقاً عزیزاً وحنوناً و رسمت اللوحه لیهدأ قلبی، ولهذا السبب، یمکنکم أن ترون مشاعری تجاه السید حسن فی هذه اللوحه، حاولت أن أُمیز هذه اللوحه من حیث الألوان و الشکل، بعنصرین رئیسیین، أحدهما أمل و الآخر حرکه، أی أننی لم أرَ استشهاد السید حسن موتاً له بل تحریره و أنه لا یزال یأمل النصر، ویدعو إلى الحراک، رسمت هذه اللوحه بهذه الأجواء.
اللون الأصفر فی اللوحات الفنیه
أما حول الإستفاده من اللون الأصفر والنور فی لوحاته یقول قدیریان: لدی نوعان من النور فی لوحاتی، إذا انتبهتم فی لوحه “أنصار الله” هناک نوعان من النور أحدهما للنمو وهو نور تلقی المعرفه و فی اللوحه الأولى الشخص الذی یتسلق الجبل مغطى بهذا النور، وهو نور أبیض ناعم ولطیف.
هناک نور آخر و هو نور الحرب أی النور الذی یراد به إزاله الظلمه، ذلک النور لم یعد نوراً لطیفاً، بل هو نور یعمل کاللیزر، نور یستخدم للحرب، نور یزیل الظلام بعون إلهی و یجعل العالم ملیئاً بالنور، ذلک النور هو نور حربی؛ أو بمعنى آخر هو نور آخر الزمان(عج) و هو نور أصفر شدید یمیل للأحمر؛ ولکن عندما أرید أن أرسم شخصاً یعیش مع النور ویکون فی الأجواء العبودیه و النمو على المستوى الشخصی لیصل إلى رقه الروح فاستخدمت ذلک النور الأبیض الهادئ و اللطیف؛ لکن عندما یرید الشخص استخدام النور لإصلاح المجتمع فمن الطبیعی أن یتعامل مع الظلام فلهذا استخدمت النور القوی والملیء بالحراره و من أجل هذا استخدمت اللون الأصفر الشدید هنا.
لوحات فنیه عن غزه
بعد ذلک دار الحدیث حول رسم اللوحات الفنیه عن غزه حیث أشار قدیریان إلى أنه رسم ۴ لوحات عن غزه حتى الآن، وقال: لقد رسمت لوحه، فی الجزء السفلی من اللوحه نرى غزه مدینه تحترق وتتدمر، حیث نری الدخان فی سماء هذه المدینه وفوق الدخان سماء واسعه ملیئه بالملائکه مجتمعین و نور من أعلى اللوحه یشرق مباشره فی وسط المدینه، وهم ینظرون إلیه و یستفیدون منه وکأن نور الله نزل من السماء و دخل المدینه.
ذلک الجزء من المدینه الذی وصل إلیه النور، انطفأت النیران و أصبح ینعم بالسلام، بمعنى آخر؛ فی هذه اللوحه حاولت أن أقول إننا إذا رأینا إیماناً غریباً و مذهلاً فی سلوک أهل غزه فذلک بسبب النور الذی أنزله الله على قلوبهم، لو لا أنهم قد کانوا فی الحرب منذ ۷۰ عاما و لم نر منهم مثل هذا السلوک، هذا سلوک غریب و قد رسمت لوحات مختلفه فی هذا المضمار.
معارض فنیه
وأخیراً یبدی رأیه الأستاذ قدیریان حول إقامه المعارض الفنیه حیث یقول: بغض النظر عن کیفیه تنظیم المعرض، فهو جید دائماً، والمعرض مفید، یتم عرض أعمال الفنان، وتدخل کلمات الفنان إلى المجتمع، لکن للأسف لا نکتفی إلا بهذا، نرى الکثیر من المعارض التی تقام فی الزوایا وتنتهی هناک على شکل معرض، فإن أمکن، بحجه إقامه المعرض، تُقام لقاءات علمیه ونقاشات إعلامیه و معرفیه و المفاهیم التی أدخلها الفنانون فی لوحاتهم و إذا تمکنا من تحلیل الحجج التی أثاروها و الخفایا التی یقصدونه جید، لأن العالم الآن هو عالم الإعلام، معرض یقام فی کل زاویه، ما هو النطاق الذی یمکن أن یغطیه؟
لکن عندما یصبح الأمر مفاهیم إعلامیه، فمن الطبیعی أن یصل إلى آذان الکثیر من الناس، وأعتقد أنه بجانب المعارض، یجب أن تکون هناک لقاءات وندوات تحلیلیه.
نحن ندخل إلى آخر الزمان ومن المدهش أننا جمیعاً نشهد أحداثاً غریبه فی العالم، وعلینا أن نفهم ما هو تفسیرها؟
ماذا یحدث فی العالم؟ ما حدث هو أنه بعد الثوره الإسلامیه فی إیران إنفصل العالم کله تقریباً عن ذلک الهیکل المتجه نحو الظلام، وبطریقه ما یتم إنتاج النور فی أجزاء مختلفه من العالم و هذا فیه مجال کبیر للمناقشه والتدقیق و الذی یمکن إنشاؤه تحت ذریعه المعارض.
المصدر: الوفاق/ خاص